القواعد النظامية مستقرة على أنه من يتسبب في إلحاق ضرر بالغير يتحمل مسؤولية التعويض. واستناداً إلى هذا المبدأ، جاءت المادة 29 من نظام الشركات الجديد لتمنح الشريك أو المساهم الحق في إقامة دعوى ضد مدير الشركة أو أي من أعضاء مجلس إدارتها، في حال ارتكابهم لأفعال تنطوي على خطأ، أو إهمال، أو تقصير، أو مخالفة لنظام الشركة الأساسي أو عقد تأسيسها، وهذا ما سوف نتناوله في هذا المقال:
أولاً: مفهوم دعوى المسؤولية في نظام الشركات:
تعرَّف بأنها الإجراء القانوني الذي يهدف إلى مطالبة أعضاء مجلس الإدارة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالشركة باعتبارها شخصاً اعتبارياً، نتيجة لأفعال خاطئة أو تقصير أو إخلال بالواجبات الوظيفية من جانبهم، سواء ارتكبها المجلس بأكمله أو بعض أعضائه أثناء أداء مهامهم.
وقد تُسمى هذه الدعوى أيضاً بـ “دعوى المساهم الفردية”، وذلك في الحالات التي يُصاب فيها أحد المساهمين بضرر مباشر وشخصي بسبب قرار أو تصرف غير مشروع من مجلس الإدارة، وهنا يكون من حق المساهم المتضرر رفع الدعوى باسمه للحصول على تعويض، ويكون له وحده دون أن يعود بالنفع على الشركة، ما عدا في حالة أن يكون الضرر مشتركاً بين المساهمين أو أصاب الشركة نفسها.
وقد أتاح نظام الشركات الجديد للمساهم رفع هذه الدعوى بصورة مستقلة، متى ثبت امتناع الشركة أو الجمعية العامة عن تحريك الدعوى، لا سيما إذا انصب الضرر على المساهم نفسه دون أن يمس مصالح الشركة بشكل مباشر.
ثانياً: الفرق بين دعوى المسؤولية ودعوى الشريك أو المساهم:
تضمنت المادة (29) من نظام الشركات ما يفرق بين دعوى المسؤولية ودعوى الشريك أو المساهم، ويتضح ذلك من خلال النقاط التالية:
-
جهة رفع الدعوى:
دعوى المسئولية: ترفعها الشركة ذاتها ضد المدير أو أعضاء مجلس الإدارة عند ارتكابهم خطأ ألحق ضرراً بالشركة.
دعوى الشريك أو المساهم: يقيمها أحد الشركاء أو المساهمين شخصياً إذا امتنعت الشركة عن رفع الدعوى، وكان هناك ضرر مباشر أصابه نتيجة فعل أو قرار من الإدارة.
-
الهدف من الدعوى:
دعوى المسؤولية تهدف إلى حماية مصالح الشركة، أما دعوى المساهم فتهدف إلى تعويض المساهم عن ضرر شخصي لحق به مباشرة نتيجة تصرف الإدارة.
-
شروط وإجراءات رفع الدعوى:
يشترط صدور قرار من الشركاء أو الجمعية العامة بتكليف من يمثل الشركة، أو أن يباشرها المصفي في حال التصفية، أو ممثل الشركة نظاماً في حال الإفلاس.
أما في دعوى الشريك أو المساهم، فيشترط:
- أن يكون المدعي شريكاً أو مساهماً وقت رفع الدعوى.
- أن تكون الدعوى قائمة على أساس صحيح وبحسن نية.
- أن يُخطر الإدارة أو أعضاء المجلس بعزمه على رفع الدعوى قبل 14 يوماً على الأقل من تاريخ رفعها.
ثالثاً: الأضرار التي تُجيز رفع دعوى المسؤولية وفقاً لنظام الشركات السعودي:
حدد نظام الشركات السعودي الحالات التي تمنح الحق في رفع دعوى المسؤولية ضد المدير أو أعضاء مجلس الإدارة، وذلك عند تحقق ضرر فعلي ناتج عن تصرفاتهم أو تقصيرهم، ويشترط أن يكون هذا الضرر ناتجاً عن مخالفة واضحة لأحكام النظام أو لعقد تأسيس الشركة أو نظامها الأساس. وتتمثل أبرز صور الأضرار التي تُجيز رفع الدعوى فيما يلي:
- إبرام صفقات مخالفة لمصلحة الشركة: مثل إبرام عقود مع أطراف ذات صلة دون الإفصاح عنها أو بدون ترخيص نظامي.
- إساءة استخدام أموال الشركة: كاستغلال أصول الشركة لأغراض شخصية أو استخدام مواردها دون مبرر تجاري.
- اتخاذ قرارات إدارية أو مالية غير مدروسة: تؤدي إلى خسائر جسيمة أو التزامات مالية كبيرة على الشركة دون مبرر اقتصادي.
- الإهمال أو التقصير في أداء المهام: مثل التأخر في تقديم القوائم المالية، أو الإخلال بواجبات الرقابة والمتابعة، أو التغاضي عن المخالفات.
- الإضرار بحقوق الشركاء أو المساهمين: كالتصرف في حقوق الملكية أو الأرباح دون سند نظامي.
- الإخلال بمبدأ الإفصاح والشفافية: بعدم تقديم المعلومات الكافية للجمعية العامة أو للمساهمين بما يؤدي إلى اتخاذ قرارات مضللة.
ويُشترط لرفع الدعوى أن يكون الضرر محققاً ومباشراً، سواء لحق بالشركة أو بالمساهم على نحو شخصي. ويحق للشركة المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها، كما يجوز للمساهم المطالبة بحقوقه الشخصية حال توفر الشروط النظامية.
رابعاً: أسباب منح المنظم السعودي للشريك حق إقامة دعوى المسؤولية:
منح النظام السعودي الشريك أو المساهم الحق في إقامة دعوى المسؤولية على المدير، وذلك تحقيقاً لعدة أهداف قانونية وتنظيمية، من أبرزها:
- حماية حقوق الشركاء والمساهمين: أحياناً قد تتقاعس الشركة، ممثلة في جمعيتها العامة، عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد المخطئ من الإدارة، رغم تحقق الضرر. وهنا يأتي دور الشريك أو المساهم كصاحب مصلحة مباشرة في حماية أمواله واستثماراته.
- تحقيق الرقابة الفاعلة على أداء الإدارة: وجود هذا الحق يعزز من الرقابة غير المباشرة على تصرفات أعضاء مجلس الإدارة أو المدير، ويجعلهم أكثر التزاماً بأحكام النظام والعقود المنظمة للشركة، خوفاً من المساءلة الشخصية.
- منع الإفلات من المسؤولية: في حال وجود تواطؤ داخل الشركة، أو إذا كانت الإدارة هي من تملك السيطرة على الجمعية العامة، فإن منح الشريك أو المساهم هذا الحق يضمن عدم تعطيل تطبيق القانون أو إفلات المخالف من العقاب.
- تعويض المتضرر بشكل مباشر: إذا ترتب على خطأ الإدارة ضرر خاص بأحد الشركاء أو المساهمين دون أن يطال الشركة ذاتها، فإن من حق المتضرر أن يطالب بتعويض شخصي عن هذا الضرر دون انتظار تحرك من جانب الشركة.
- تعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة: يمنح النظام هذا الحق لترسيخ ثقافة الشفافية ومحاسبة المخطئ، وإيجاد بيئة استثمارية عادلة وآمنة، مما يعزز ثقة المستثمرين في السوق السعودي.
ختاماً، يمثل تمكين الشركاء والمساهمين من رفع دعوى المسؤولية أداة قانونية فعّالة لضمان الرقابة على إدارة الشركات وحماية الحقوق، بما يعزز من الثقة في بيئة الاستثمار، ويكرّس مبادئ