تتخذ المملكة العربية السعودية موقفاً حازماً ضد كافة أشكال التحرش، سواءً كانت لفظية أو جسدية أو رقمية، وذلك بموجب نظام مكافحة جريمة التحرش الصادر عام 1439هـ، حيث يهدف هذا النظام إلى حماية خصوصية الفرد وكرامته، وإرساء بيئة اجتماعية خالية من الإيذاء والانتهاك، مع إرساء قواعد العدالة والردع من خلال العقوبات النظامية الصريحة.
تُعرف جريمة التحرش في النظام السعودي بأنها: “كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه آخر، تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة، بما في ذلك الوسائل التقنية”، ويشمل هذا التعريف كافة السلوكيات التي تحمل طابعاً جنسياً وتتم بغير رضا المتلقي، سواءً تم التعبير عنها شفهياً أو جسدياً أو إلكترونياً.
ينقسم التحرش في المملكة إلى عدة أنماط رئيسية يعاقب عليها النظام، منها:
- التحرش اللفظي: كإطلاق تعليقات جنسية، أو استخدام ألفاظ تحمل دلالات خادشة للحياء.
- التحرش الجسدي: ويشمل التلامس غير المشروع، أو التقرّب الجسدي العدائي.
- التحرش السلوكي: كالملاحقة، والتحديق المستمر، والتصرفات ذات الطابع الجنسي.
- التحرش الإلكتروني: والذي يشمل الرسائل ذات الطابع الجنسي، وإرسال الصور غير اللائقة، أو طلب معلومات شخصية بطريقة غير مرحب بها.
- التحرش باستخدام السلطة أو الوظيفة: مثل استغلال المنصب الوظيفي في فرض علاقة على الموظفات أو الطالبات.
في ذات السياق، تدخل بعض التصرفات الرقمية ضمن دائرة الجريمة إذا تضمنت نية غير أخلاقية، مثل طلب السناب أو الحسابات الشخصية لأغراض غير مشروعة، وخاصة إذا تم تكرار الطلب أو تضمن إيحاءات.
تمثل العقوبات المفروضة على المتحرشين في السعودية أحد أبرز أدوات الردع النظامي، وتستند هذه العقوبات إلى المرسوم الملكي رقم (م/96) لعام 1439هـ بشأن نظام مكافحة جريمة التحرش، بالإضافة إلى نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
العقوبات النظامية لجريمة التحرش:
ينص النظام السعودي على أن كل من يرتكب فعل التحرش يعاقب بالسجن مدة تصل إلى سنتين، وغرامة مالية تصل إلى100,000 ريال سعودي، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتُضاعف العقوبة لتصل إلى السجن خمس سنوات وغرامة 300,000 ريال سعودي إذا توافرت ظروف مشددة، مثل:
- تكرار الجريمة من الشخص نفسه.
- وقوع الجريمة ضد طفل أو شخص من ذوي الإعاقة.
- ارتكاب الجريمة من شخص له سلطة وظيفية أو قرابة مباشرة مع الضحية.
كما تطبق العقوبة ذاتها إذا وقعت الجريمة عبر الوسائل التقنية، كالتحرش الإلكتروني، وهو ما يشمل الأفعال التي تتم عبر الرسائل النصية، والصور، والمقاطع المصورة، أو طلب بيانات أو صور خاصة عبر تطبيقات مثل سناب شات أو واتساب أو تويتر.
الكلمات والسلوكيات التي تُعد تحرشاً:
لا يقتصر مفهوم التحرش على الأفعال الجسدية أو المباشرة فقط، بل يمتد ليشمل الكلمات ذات الإيحاء الجنسي، أو الألفاظ غير اللائقة التي قد تُقال شفهياً أو تُكتب إلكترونياً. وتشمل الأمثلة النظامية لذلك:
- التعليقات على الجسد أو اللباس.
- التلميحات المتكررة التي تنطوي على رغبة جنسية.
- الأسئلة أو الإشارات التي تخدش الحياء العام، حتى لو كانت غير صريحة.
وقد اعتبرت المحاكم السعودية في عدة أحكام أن الإلحاح في التواصل بعد الرفض الصريح يُعد تحرشاً، حتى في غياب كلمات مباشرة، إذا وُجدت دلالة على رغبة ذات طابع غير مشروع.
التشهير الإلكتروني: بين حرية الرأي وحدود القانون
تُعد جريمة التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أخطر الانتهاكات القانونية إذا استُخدمت لتشويه سمعة الآخرين أو فضحهم دون حكم قضائي. ووفقاً للمادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، يُعاقب من يقوم بالتشهير بالآخرين أو إلحاق الضرر بهم عبر وسائل الإنترنت بالسجن لمدة لا تزيد على سنة واحدة، وغرامة تصل إلى500,000 ريال سعودي، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ولا يُعفى مرتكب التشهير من العقوبة، حتى لو كان هدفه التحذير أو نقل التجربة، ما لم يكن ذلك ضمن إطار نظامي رسمي مثل (بلاغ للنيابة العامة أو الجهات المختصة).
آلية الإبلاغ عن التحرش الإلكتروني:
وفرت وزارة الداخلية السعودية عبر تطبيق “كلنا أمن” و”بلاغاتي” آليات إلكترونية فعالة لتقديم شكاوى التحرش، دون الحاجة لحضور مباشر في المراكز الأمنية.
ويتطلب الإبلاغ:
- تحديد وقت ومكان الواقعة.
- تقديم أدلة، مثل رسائل أو تسجيلات أو شهود.
- حفظ حقوق الضحية بسرية تامة.
كما تتابع النيابة العامة السعودية جميع بلاغات التحرش عبر وحدة متخصصة، وتمنح البلاغات ذات الأولوية اهتماماً فورياً، خاصة إذا تعلّق الأمر بقاصر أو مكرر.
شروط قبول محضر التحرش:
لقبول محضر التحرش أمام الجهات القضائية، يجب أن يحتوي على:
- بيانات واضحة عن الأطراف (الضحية والمتهم).
- وصف دقيق للواقعة والسياق.
- أدلة إثبات داعمة (رقمية أو شهود أو تقارير طبية).
- توقيع الضحية أو من ينوب عنها قانونياً.
سقوط التهمة: متى يمكن أن تُغلق القضية؟
رغم أن النظام لا يحدد سقفاً زمنياً دقيقاً لسقوط جريمة التحرش، فإن بعض الحالات تسمح قانونياً بإغلاق الملف، وهي:
- تنازل الضحية كتابةًفي القضايا غير المرتبطة بالنظام العام.
- عدم كفاية الأدلةبعد التحقيق الأولي.
- وفاة المتهم قبل صدور الحكم.
- صدور قرار من المحكمة بعدم الإدانةلعدم تحقق أركان الجريمة.
أنواع التحرش الجنسي حسب النظام السعودي
يُعَدّ التحرش الجنسي أحد أخطر صور الانتهاك التي يمارسها الجاني تجاه الضحية، وقد صنّف النظام السعودي هذا الفعل ضمن الجرائم الماسة بالشرف، وتندرج تحته عدة صور، من أبرزها:
- التحرش الجسدي:مثل: اللمس المتعمد، أو المحاولات الجسدية غير المرغوبة التي تنتهك حرمة الجسد.
- التحرش اللفظي:باستخدام كلمات أو عبارات ذات مدلول جنسي بشكل مباشر أو ضمني.
- التحرش بالإشارة أو النظرة:عندما تكون النظرات طويلة ومقصودة وتحمل نية غير لائقة، أو حين تُستخدم حركات جسدية ذات طابع جنسي.
- التحرش بالسلطة أو المنصب: عندما يُستغل الموقع الإداري أو المهني لابتزاز الطرف الآخر جنسياً أو الضغط عليه لتحقيق رغبات شخصية.
- التحرش الرقمي:عبر الصور والمحتوى الجنسي أو الرسائل النصية غير المرغوب فيها.
يُعامل النظام هذه الأنواع بمعيار واحد من حيث الخطورة، ويعتمد في تقدير العقوبة على الظروف المحيطة بالجريمة وتكرارها ومدى تأثيرها النفسي والاجتماعي على المجني عليه.
مسؤولية المنشآت في الوقاية من جريمة التحرش:
بموجب نظام العمل السعودي (المادة 80)، يُعد ارتكاب العامل لفعل التحرش سبباً مشروعاً للفصل الفوري دون تعويض، إذا ثبت من خلال لجنة أو تحقيق داخلي. وعلى هذا الأساس، تتحمل المنشآت مسؤولية مباشرة في الوقاية من هذا النوع من المخالفات، من خلال الإجراءات التالية:
- وضع لائحة سلوك مهني واضحةتنص صراحة على منع التحرش وتجريمه داخل بيئة العمل.
- توفير قنوات داخلية آمنة وسرية لتقديم الشكاوىدون المساس بالضحية.
- تدريب الموظفينعلى ثقافة الاحترام والحدود القانونية في التعامل بين الجنسين.
- التحقيق الفوري والعادلفي أي شكوى تتعلق بالتحرش، دون تأخير أو انحياز.
- ربط المسؤولية الإداريةبإشراف فعال يمنع التواطؤ أو الإهمال في قضايا السلوك الوظيفي.
ويُلاحظ أن هيئة حقوق الإنسان والنيابة العامة قد أكدتا مراراً على ضرورة التزام المنشآت بخلق بيئة عمل آمنة، واعتبار التحرش مخالفة جسيمة تستوجب المساءلة الإدارية والجنائية.
تُعد المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة إقليمياً في تطوير تشريعات حماية الأفراد من التحرش، وقد أولت الجهات العدلية والأمنية اهتماماً كبيراً بهذه الجريمة، سواء في بعدها الواقعي أو الرقمي، بما يضمن تعزيز الأمن الاجتماعي والمؤسسي.
إن التزام المنشآت وأصحاب القرار بإنشاء سياسات واضحة، ونشر الوعي، وتفعيل أدوات الإبلاغ، هو أحد الأعمدة الرئيسة لمنع التحرش قبل وقوعه، وتحقيق بيئة عمل وإنسانية قائمة على الاحترام والعدالة.