تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية: التنظيم القانوني الحالي وآفاق الاستثمار المستقبلية

  • الرئيسية
  • المدونة
  • تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية: التنظيم القانوني الحالي وآفاق الاستثمار المستقبلية

في ظل التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يبرز موضوع “تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية” كأحد المسائل القانونية ذات الطابع الاستراتيجي. وتزداد أهمية هذا الموضوع بالنظر إلى ارتباطه الوثيق بجذب الاستثمارات الأجنبية وتنمية السوق العقاري، مع المحافظة في الوقت ذاته على الاعتبارات السيادية والتنظيمية.
ومع تسارع الخطط الوطنية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، بات من الضروري دراسة الإطار النظامي لتملك غير السعوديين للعقارات، وتحديد ملامح المرحلة المقبلة على ضوء القرارات الحكومية والتصريحات الرسمية.

السياق النظامي الحالي في المملكة

حتى تاريخ كتابة هذا المقال، لا يوجد نظام قانوني نافذ يتيح للأفراد غير السعوديين تملك العقارات في جميع أنحاء المملكة بشكل مطلق. بل إن التنظيم القائم يفرض قيودًا على التملك العقاري لغير السعوديين، ويقتصر في بعض الحالات على المستثمرين الأجانب من خلال قنوات الاستثمار الرسمية، وبموجب تراخيص تصدرها وزارة الاستثمار وهيئة العقار.
كما يُحظر صراحةً على غير السعوديين تملك العقارات داخل منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، باستثناء حالات محددة تتعلق بالورثة أو الأوقاف، وذلك استنادًا إلى نظام تملك غير السعوديين للعقار في هاتين المنطقتين.
ويجدر التنويه إلى أن نظام الاستثمار الجديد لعام 1446هـ يجيز للمستثمر الأجنبي تملك الأصول، بما في ذلك العقارات، شريطة استيفاء الاشتراطات التنظيمية والحصول على الموافقات اللازمة.

 قرار مجلس الوزراء رقم (94) لعام 1444هـ

في خطوة لافتة، صدر عن مجلس الوزراء القرار رقم (94) بتاريخ 24 / 1 / 1444هـ بشأن دراسة تنظيم تملك غير السعوديين للعقارات في المملكة. إلا أن الهيئة العامة للعقار أوضحت في بيان رسمي أن القرار لا يزال محل دراسة لدى الجهات المختصة، ولم تصدر بشأنه حتى الآن أي تنظيمات تنفيذية.
هذا يعني أن القرار لم يدخل حيّز النفاذ، ولا يمكن تطبيقه فعليًا قبل صدور اللائحة التنفيذية التي تحدد نطاق التملك، والفئات المسموح لها، والضوابط المتعلقة بالمنطقة الجغرافية ونوع العقار. وبالتالي، فإن الوضع القانوني الحالي لا يسمح بتملك الأجانب للعقار إلا في إطار ما تنص عليه الأنظمة السارية والمحدودة النطاق.

الفرق بين القرار واللائحة التنفيذية في النظام السعودي

يُعد قرار مجلس الوزراء رقم (94) المتعلق بـتملك غير السعوديين للعقارات خطوة تشريعية أولى، لكنه لا يُعد نصًا قابلاً للتطبيق المباشر. فوفقًا للنظام السعودي، تُعد اللائحة التنفيذية بمثابة الأداة التنظيمية التي توضح تفاصيل تطبيق القرار، وتحدد الأحكام الإجرائية والفنية اللازمة لضمان تنفيذ مضمون القرار بدقة ووضوح.
وبالتالي، فإن عدم صدور اللائحة التنفيذية يترتب عليه بقاء القرار في إطاره النظري، دون أن يكون له أثر قانوني مباشر على حقوق أو التزامات الأفراد أو الجهات ذات العلاقة.

 الوضع القانوني الراهن لتملك الأجانب للعقارات

في الوقت الراهن، لا تزال القواعد المنظمة لـ “تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية” تعتمد على أنظمة جزئية، تُجيز التملك في حالات استثمارية محددة فقط، وضمن مناطق معينة.
فعلى سبيل المثال، يجوز للمستثمر الأجنبي الذي يحصل على ترخيص من وزارة الاستثمار أن يتملك عقارات مخصصة لأغراض المشروع الاستثماري، شريطة ألا تكون في المناطق المحظورة، كالحرمين الشريفين. كما يمكن للشركات الأجنبية المرخصة ممارسة النشاط العقاري، ولكن ضمن قيود تتعلق بنوع العقار، وموقعه، والغرض من التملك.
وتشير البيانات الصادرة عن هيئة العقار إلى أن غالبية الطلبات الأجنبية للتملك تندرج ضمن مشاريع صناعية وتجارية وليس للأغراض السكنية، ما يعكس توجّه المملكة نحو تقييد التملك السكني لغير السعوديين في المرحلة الحالية.

 الأنظمة السعودية ذات العلاقة بتنظيم التملك

ترتبط قضية “تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية” بعدد من الأنظمة الأساسية، من أبرزها:

  • نظام الاستثمار السعودي (1446هـ): يجيز للمستثمرين الأجانب تملك العقارات المرتبطة بأغراض النشاط الاستثماري، وفقًا لاشتراطات معينة تحددها الوزارة المختصة.
  • نظام تملك غير السعوديين للعقار في مكة والمدينة: يحظر التملك في هاتين المنطقتين بصورة تامة، مع بعض الاستثناءات المحددة.
  • نظام التسجيل العيني للعقار: ينظم إثبات ملكية العقارات وتوثيقها، ويشترط في بعض الحالات التحقق من أهلية المتملك وجنسيته.
  • نظام العقارات البلدية: يفرض قيودًا إضافية على التملك في الأراضي المملوكة للجهات الحكومية أو الخاضعة للتنظيم العمراني الخاص.
  • نظام مكافحة غسل الأموال: يفرض التزامات على الجهات العقارية للتحقق من مصدر أموال الأجانب الراغبين في شراء العقارات.

ملاحظة: لا تزال التنظيمات المتعلقة بتملك غير السعوديين للعقارات تخضع لرقابة وتنسيق بين عدة جهات تنظيمية، أبرزها: وزارة الاستثمار، وهيئة العقار، ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك.

 التملك في المدن الاقتصادية والمشروعات الكبرى

تُعد المدن الاقتصادية والمناطق الخاصة، مثل مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ونيوم، والبحر الأحمر، من أبرز المواقع التي سُمح فيها بدرجات متفاوتة لتملك غير السعوديين للعقارات، سواءً عن طريق الإيجار طويل الأجل أو التملك المشروط ضمن أطر تنظيمية خاصة.
وقد منحت هذه المشاريع صلاحيات موسعة لهيئاتها الإدارية لتنظيم التملك والإشراف عليه، بما يحقق التوازن بين جذب الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على السيادة العقارية.
ويُتوقع أن يشكل التملك العقاري في هذه المناطق نموذجًا تنظيميًا يُبنى عليه لتوسيع فرص تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية مستقبلًا، لا سيما في ظل رؤية المملكة التي تركز على تطوير مناطق اقتصادية نوعية ذات طبيعة عالمية.

 التحديات والمخاوف المرتبطة بتملك الأجانب للعقارات

رغم الإمكانيات الاستثمارية الكبيرة التي يتيحها فتح السوق العقاري للأجانب، إلا أن هناك جملة من التحديات والمخاوف التي يجب أن توضع في الحسبان، أبرزها:

  • الأمن العقاري الوطني: التخوف من تركّز ملكيات استراتيجية في يد جهات غير سعودية في مناطق ذات أهمية اقتصادية أو جغرافية خاصة.

  • الضغط على أسعار العقارات: احتمال ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والأراضي نتيجة زيادة الطلب الخارجي، مما قد يؤثر سلبًا على فرص التملك للمواطنين.

  • قضايا غسل الأموال: مخاطر استخدام سوق العقار كوسيلة لتبييض الأموال في حال غياب آليات رقابة فعالة على مصادر تمويل الشراء.

  • الإخلال بالهوية العمرانية: قد يؤدي دخول مستثمرين أجانب غير ملتزمين بالضوابط البلدية والعمرانية إلى تغيّر في نمط التطوير العمراني أو غياب الالتزام بالاشتراطات المحلية.

 الفرص المتوقعة من فتح السوق العقاري أمام الأجانب

في المقابل، تبرز العديد من الفرص الاقتصادية والاستثمارية التي يُمكن أن تُحقق من خلال تنظيم تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية، ومن أبرزها:

  • جذب رؤوس أموال أجنبية مباشرة، تساهم في تحفيز حركة البناء والتطوير الحضري.
  • رفع مستوى المعروض العقاري من خلال تحفيز شركات التطوير العالمية على دخول السوق السعودي.
  • تعزيز التنافسية الإقليمية للمملكة في استقطاب المستثمرين مقارنة بدول مثل الإمارات وقطر.
  • تحفيز القطاعات المرتبطة بالعقار مثل التمويل، والمقاولات، والخدمات اللوجستية، بما يعزز الناتج المحلي.
  • تنويع مصادر الدخل غير النفطية، وهو أحد المستهدفات الأساسية لرؤية 2030.

 الضوابط المقترحة لتحقيق التوازن القانوني

في حال صدور اللائحة التنفيذية لقرار مجلس الوزراء رقم (94)، فإن من الضروري تضمينها ضوابط قانونية تحفظ التوازن بين جذب الاستثمار وحماية المصلحة العامة، ومن أبرز هذه الضوابط المقترحة:

  • تحديد المناطق الجغرافية المسموح بها للتملك الأجنبي، واستثناء المناطق الحدودية والمقدسة.
  • وضع حد أعلى للمساحة أو عدد العقارات التي يجوز تملكها لكل مستثمر أجنبي.
  • اشتراط وجود غرض استثماري حقيقي من التملك، خاصة في حال الشركات أو الكيانات التجارية.
  • التحقق من الملاءة المالية ومصدر الأموال لضمان الشفافية ومنع التلاعب.
  • قصر التملك على الأفراد أو الكيانات الحاصلة على إقامة نظامية أو تراخيص تجارية معتمدة.

 دور الجهات الرقابية في ضمان سلامة التطبيق

يتطلب تطبيق سياسة “تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية” إشرافًا دقيقًا ومتكاملًا من جهات تنظيمية متعدّدة، منها:

  • هيئة العقار، بصفتها الجهة المختصة بوضع السياسات العقارية وتنظيم السوق.
  • وزارة الاستثمار، المختصة بترخيص المستثمرين الأجانب ومتابعة التزامهم بالشروط.
  • وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، المعنية بالتنظيم العمراني والإشراف على التطوير العقاري.
  • الهيئة العامة للزكاة والضريبة والجمارك، للتأكد من التزامات المستثمرين المالية.
  • مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية، لضمان عدم استخدام العقارات في أنشطة غير مشروعة مثل غسل الأموال أو التهرب الضريبي.

ويُتوقع أن تقوم هذه الجهات، بمجرد صدور اللائحة التنفيذية، بإعداد منصات إلكترونية موحدة، تسهّل الإجراءات وتزيد من الشفافية، مع ضمان توثيق جميع العقود عبر الجهات العدلية المعتمدة.

إن موضوع تملك غير السعوديين للعقارات في السعودية لا يزال في طور التشكل القانوني، ويعكس توجه المملكة نحو تهيئة بيئة استثمارية جاذبة ومتوازنة. وعلى الرغم من صدور قرار مجلس الوزراء رقم (94) بشأن دراسة تنظيم هذا التملك، إلا أن غياب اللائحة التنفيذية حتى الآن يعني أن القواعد الناظمة لم تُحدَّد بشكل نهائي، مما يستوجب التريث من قِبل المستثمرين، واليقظة من قِبل الجهات التنظيمية.
ويُعد هذا الملف من الموضوعات التي تتطلب تكاملًا تشريعيًا ومؤسسيًا، بحيث يتم تحقيق الأهداف الاقتصادية دون الإخلال بالاستقرار الاجتماعي والهوية العقارية الوطنية.

Add Comment

Decision Are A Professional Attorney & Lawyers Services Provider Institutions. Suitable For Law Firm, Injury Law, Traffic Ticket Attorney, Legacy And More.

Contact Info

+(002) 0121-2843-661
+(002) 0106-8710-594
AR-Coder@arcoder.com
Support@arcoder.com
Menouf City , El-Menoufia, Egypt.
Shibin El-Kom , El-Menoufia, Egypt.

Follow Us

Cart

لا توجد منتجات في سلة المشتريات.