في ظل التطورات الاقتصادية والتشريعية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، بات من الضروري تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية داخل الكيانات التجارية، وعلى رأسها شركات المساهمة التي تُعد من أبرز صور الشركات ذات التأثير في السوق السعودي.
وتعتبر الشركات المساهمة من أبرز الكيانات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، حيث تسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص العمل، وتحقيق الأرباح. وتتميز هذه الشركات بعدد من الخصائص التي تجعلها جذابة للمستثمرين وفعالة في تحقيق الأهداف الاقتصادية.
ويُشكّل مجلس الإدارة في هذه الشركات حجر الأساس في عملية الإدارة واتخاذ القرارات الاستراتيجية، ما يضع على عاتقه مسؤوليات قانونية وأخلاقية جسيمة.
وفي هذا الإطار، يحدد نظام الشركات السعودي الجديد (1443هـ) واجبات ومسؤوليات أعضاء مجلس الإدارة، بما يضمن حماية مصالح الشركة والمساهمين، ويحدّ من سوء استخدام السلطة أو الإهمال في أداء الواجبات.
تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على مسؤولية مجلس الإدارة في شركات المساهمة، من حيث التكوين، والاختصاصات، والمسؤوليات القانونية المترتبة على أعضائه، وذلك وفقاً لما ورد في النظام السعودي.
تعريف شركة المساهمة:
تعتبر الشركات في المملكة العربية السعودية وفقاً لنظام الشركات السعودي الجديد كياناً اقتصادياً قانونياً، حيث يتم تأسيسها بناءً على عقد تأسيس أو نظام أساسي يلتزم من خلاله شخص أو أكثر من شخص بالمساهمة في مشروع يهدف إلى تحقيق الربح، سواء بتقديم المال أو العمل أو كليهما، مع تقاسم الأرباح أو الخسائر الناتجة عن المشروع.
أما بالنسبة لشركة المساهمة في السعودية، فقد تم تعريفها بشكل مستقل في النظام، حيث تنشأ هذه الشركات من قبل شخص أو أكثر، سواء كانوا من الأفراد أو الكيانات الاعتبارية، ويكون رأس مالها مقسماً إلى أسهم قابلة للتداول. وفقاً للمادة التاسعة والخمسين، يجب ألا يقل رأس مال شركة المساهمة المصدر عن خمسمائة ألف ريال سعودي، ويجب ألا يقل المدفوع منه عند التأسيس عن ربع المبلغ. كما يمكن أن يتضمن نظام الشركة الأساس تحديد رأس مال مصرح به كما ورد في المادة الستين من النظام.
وبالرجوع إلى تعريف الشركة المساهمة في النظام، فإن الشركة هي المسؤولة عن الديون والالتزامات المترتبة عليها أو الناشئة عن نشاطها، بينما تقتصر مسؤولية المساهم على دفع قيمة الأسهم التي اكتتب فيها.
تكوين واختصاصات مجلس الإدارة:
وفقاً لنظام الشركات السعودي الجديد والتي تنص على أن شركات المساهمة في المملكة تُدار بواسطة مجلس إدارة يتكون من عدد لا يقل عن ثلاثة أعضاء.
ويتم تشكيل مجلس إدارة الشركة المساهمة من خلال تمكين كل مساهم من ترشيح نفسه أو مرشح آخر من بين المساهمين أو غيرهم للانضمام إلى مجلس الإدارة.
وبموجب المادة الثامنة والستين من النظام ذاته، والمادة الرابعة عشرة من اللائحة التنفيذية، يتم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة وفقاً للآتي:
- يتم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة من قبل الجمعية العامة العادية، ويجب أن يكون جميع أعضاء المجلس أشخاصاً طبيعيين.
- يتم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة بنظام التصويت التراكمي، ومع ذلك، يمكن انتخابهم بالتصويت العادي إذا نص النظام الأساسي للشركة على ذلك.
- يحدد النظام الأساسي للشركة مدة عضوية مجلس الإدارة، على ألا تتجاوز أربع سنوات، مع إمكانية إعادة انتخاب الأعضاء ما لم ينص النظام الأساسي على خلاف ذلك.
- يمكن أن يتضمن النظام الأساسي للشركة حق المساهم الذي يمتلك نسبة معينة من الأسهم القابلة للتصويت في حجز مقاعد في المجلس لتعيين ممثليه. وفي هذه الحالة، لا يجوز لهذا المساهم المشاركة مع المساهمين الآخرين في انتخاب الأعضاء الآخرين للمجلس.
مسؤولية أعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة:
قد أوضحتها المادة السادسة والعشرون من نظام الشركات السعودي الجديد، والمادة الحادية عشرة من لائحته التنفيذية، على أن أعضاء مجلس إدارة شركات المساهمة في السعودية ملزمون بالامتثال لواجبات العناية والولاء. هذه الواجبات تتضمن عدة جوانب أساسية يجب على الأعضاء الالتزام بها، والتي تشمل ما يلي:
-
العمل بحسن نية:
يجب على أعضاء مجلس الإدارة أن يعملوا بنية صادقة لتحقيق مصالح الشركة، مع السعي المستمر لتعزيز نجاحها وزيادة قيمتها لصالح المساهمين، وذلك بهدف ضمان استدامة الشركة.
-
الحياد والموضوعية:
يجب على الأعضاء ممارسة مهامهم بموضوعية وحيادية، خاصة عند اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الشركة. ويجب عليهم تجنب أي حالات قد تؤثر على حيادهم عند التصويت أو اتخاذ القرارات.
-
المهارة والمعرفة:
يتعين على الأعضاء أداء واجباتهم بمهارة معقولة تتناسب مع شخص حريص، بالإضافة إلى استخدام معرفتهم العامة وخبراتهم الخاصة لتلبية متطلبات المنصب الذي يشغلونه.
-
عدم استغلال المنصب:
يُمنع على الأعضاء استخدام منصبهم أو صلاحياتهم للحصول على منافع شخصية أو أي فوائد من أطراف أخرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
-
تجنب تضارب المصالح:
يجب على أعضاء مجلس الإدارة تجنب أي حالات قد ينشأ عنها تضارب مصالح، مع الالتزام بالإفصاح عن هذه الحالات إذا حدثت.
-
الإفصاح عن المصالح:
يتعين على الأعضاء الإفصاح عن أي مصلحة شخصية لديهم، سواء مباشرة أو غير مباشرة، في الأعمال والعقود التي تتم لصالح الشركة.
أما بالنسبة لتعارض المصالح فإن نظام الشركات السعودي قضى بأنه لا يجوز لمدير الشركة أو عضو مجلس الإدارة أن يكون له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في أي عقد أو عمل لصالح الشركة، إلا بعد الحصول على ترخيص وفقاً للمادة 16 من اللائحة التنفيذية، والتي تشترط ما يلي:
- ألا تتجاوز قيمة الأعمال أو العقود 1% من إيرادات الشركة أو 10 ملايين ريال كحد أقصى.
- أن تكون ضمن النشاط المعتاد للشركة.
- أن تتم بشروط مماثلة لما يُقدَّم للمتعاملين الآخرين.
- أن يتحمل العضو مسؤولية حساب إجمالي هذه المعاملات خلال السنة المالية.
- أن يكون التفويض لمدة سنة أو حتى نهاية دورة المجلس، أيهما أقرب.
- يُمنع الأعضاء من التصويت على التفويض أو إلغائه.
- للجمعية العامة الحق في إضافة شروط أخرى.
تهدف هذه الضوابط لحماية مصالح الشركة، والمساهمين، وتعزيز الشفافية، والمساءلة.
والجدير بالذكر أن نظام الشركات السعودي عزز من حوكمة شركات المساهمة ورفع من مستوى الشفافية والمساءلة، من خلال تحديد مسؤوليات مجلس الإدارة، وبيان واجباتهم القانونية، والمهنية. وبالتالي، فإن أداء عضو المجلس لأي دور يجب أن يكون في إطار من الانضباط القانوني والتزام تام بمصالح الشركة والمساهمين.
من ناحية أخري فقد أوضحت المادة الحادية والسبعون من نظام الشركات السعودي على أنه يجب على عضو مجلس الإدارة فور علمه بأي مصلحة له، سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر، في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة، أن يقوم بإبلاغ المجلس بذلك.
ويجب أن يُوثق هذا الإبلاغ في محضر اجتماع المجلس عند انعقاده. كما يحظر على العضو الاشتراك في التصويت على القرارات المتعلقة بهذه الأعمال والعقود في المجلس والجمعيات العامة. وعلى المجلس أيضاً إبلاغ الجمعية العامة عن الأعمال والعقود التي يكون للعضو مصلحة فيها، وذلك عند انعقادها، مرفقاً بهذا الإبلاغ تقرير خاص من مراجع الحسابات للشركة وفق المعايير النظامية المعمول بها في المملكة.
هذا إلى جانب أن تبعات الأضرار المترتبة على الأعمال أو العقود التي يكون لعضو مجلس الإدارة مصلحة فيها على عاتقه مباشرة، كما تمتد المسؤولية إلى أعضاء المجلس الآخرين إذا ثبت وجود إهمال أو تقصير في أداء مهامهم.
خاصة في الحالات التي يتبين فيها أن تلك الأعمال أو العقود تفتقر إلى العدالة أو تتضمن تضارباً في المصالح وتلحق ضرراً بحقوق المساهمين. ويُستثنى من هذه المسؤولية الأعضاء الذين أبدوا اعتراضهم صراحة وتم إثباته في محضر الاجتماع. أما العضو الغائب عن الاجتماع فلا يُعفى من المسؤولية إلا إذا ثبت عدم علمه بالقرار أو عدم تمكنه من الاعتراض عليه بعد إخطاره به.
كما أوضحت المادة السابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام الشركات السعودي، فإن المصلحة غير المباشرة لعضو مجلس الإدارة تُعد قائمة إذا كان من المحتمل أن تعود الأعمال أو العقود التي تبرمها الشركة بأي منافع، سواء كانت مالية أو غير مالية، على عدد من الأطراف المرتبطة به، وذلك على سبيل المثال:
– أي من الأقارب الذين تربطهم صلة عائلية بعضو مجلس الإدارة.
- أي كيان قانوني من نوع شركة تضامن، وتوصية بسيطة، أو ذات مسؤولية محدودة يشارك فيه عضو المجلس أو أحد أقاربه كشريك.
– أي شركة مساهمة أو مساهمة مبسطة يمتلك فيها العضو أو أقاربه، بشكل منفصل أو مجتمع، نسبة لا تقل عن 5% من إجمالي الأسهم.
- أي منشأة غير مُسجلة كشركة، يمتلكها أو يتولى إدارتها عضو المجلس أو أحد أقاربه.
ـ أي شركة يشغل فيها عضو مجلس الإدارة أو أحد أقاربه منصباً إدارياً، سواء كمدير، أو عضو بمجلس الإدارة، أو ضمن كبار التنفيذيين.
كما نصت الفقرة الثانية من المادة السابعة والعشرين من نظام الشركات، “يُحظر على عضو مجلس إدارة الشركة المساهمة في المملكة العربية السعودية أن يشارك في أي نشاط يُعدّ منافساً للشركة أو يتعارض مع أحد مجالات نشاطها”.
إلا إذا حصل على ترخيص مسبق من الجمعية العامة أو المساهمين أو من يفوضونه. ووفقاً لما ورد في المادة الثامنة عشرة من اللائحة التنفيذية للنظام، يجب أن يتضمن قرار الجمعية العامة معايير واضحة لتحديد الأنشطة التنافسية التي يمكن للمجلس منح الترخيص بشأنها، ما لم تكن لدى الشركة سياسة معتمدة تنظم هذا الأمر.
ويُشترط ألا تتجاوز مدة هذا الترخيص سنة واحدة من تاريخ موافقة الجمعية العامة، أو حتى نهاية دورة المجلس الممنوح له التفويض، أيهما أسبق.
إذاً فالاستثناء يكون بتوفر شروط محددة وبتوفر حالات معينة من بينها:
– في حال كانت الفرصة الاستثمارية تندرج ضمن نطاق الأنشطة التي تزاولها الشركة بصفة اعتيادية.
- إذا كانت الشركة تبدي اهتماماً بالفرصة الاستثمارية أو يُحتمل أن تحقق منها منفعة مستقبلية.
وتحدد المادة الثامنة والعشرون مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة والمديرين في الشركة، حيث يكونون مسؤولين بالتضامن عن تعويض الأضرار التي تنشأ نتيجة مخالفة أحكام النظام أو الإهمال أو التقصير في أداء واجباتهم. كما يعفى الأعضاء المعارضون للقرار من المسؤولية بشرط أن يكون اعتراضهم مسجلاً في محضر الاجتماع.
وتقع المسؤولية إما بصفة فردية على عضو مجلس الإدارة المعني بذاته، أو بصورة تضامنية على جميع أعضاء المجلس إذا صدر القرار محل المخالفة بإجماعهم. أما في حال اتخاذ القرار بأغلبية الأصوات، فلا يُسأل الأعضاء المعارضون شريطة إثبات اعتراضهم صراحةً في محضر الاجتماع. ولا يُعد غياب العضو عن الجلسة التي صدر فيها القرار سبباً لإعفائه من المسؤولية، ما لم يُثبت أنه لم يكن على علم به أو تعذر عليه الاعتراض عليه بعد إخطاره به.
هذه النصوص تساهم في ضمان نزاهة الأعمال والعقود التي تتم باسم الشركة، كما تحدد بوضوح المسؤوليات والضوابط التي يجب أن يلتزم بها أعضاء مجلس الإدارة في جميع تعاملاتهم مع الشركة والمساهمين.
في الختام، يتضح أن مسؤولية مجلس الإدارة في شركات المساهمة وفقاً لنظام الشركات السعودي تمثل حجر الزاوية في ضمان استدامة الشركات وحمايتها، ومن خلال تطبيق ضوابط الإفصاح والموافقة الجمعية العامة على المعاملات الخاصة، يعزز النظام السعودي من مبدأ الشفافية والمساءلة داخل الشركات.
وبالتالي، يتحقق التوازن بين تحقيق المصالح الشخصية والمصلحة العامة للشركة والمساهمين. إن حرص أعضاء مجلس الإدارة على الالتزام بهذه المبادئ سيسهم في رفع مستوى الحوكمة المؤسسية، وبالتالي تعزيز الثقة في السوق السعودي بشكل عام.